Commentary

Op-ed

على الجزائر منح الأولوية للتغيير الاقتصادي في خضمّ جائحة كورونا والأزمة السياسية

The logo of the state energy company Sonatrach is pictured at the headquarters in Algiers, Algeria November 20, 2019. Picture taken November 20, 2019. REUTERS/Ramzi Boudina

في خضمّ امتعاضٍ شعبي واسع النطاق من النظام يقوده الحراك، ما زالت الجزائر الغنيّة بالموارد تعاني التحديات الاجتماعية الاقتصادية ذاتها التي تواجهها منذ عقد من الزمن. لكن الآن، ازدادت مكانة البلاد الاقتصادية تعقيداً بفعل جائحة فيروس كورونا المستجدّ المستمرّة والانخفاض في أسعار النفط مؤخراً، فقد سبّبت الأولى تباطؤاً في الاستثمار والاستهلاك فيما قلّص الثاني عائدات الصادرات.

فما الذي يكمن في قلب المشاكل الراهنة التي تواجه هذه البلاد الغنّية بالنفط والغاز، وما هي الخطوات التي بإمكان النظام الجزائري اتّخاذها لمعالجتها؟

لعنة الموارد

يُعزى الامتعاض الشعبي الواسع النطاق الذي يجتاح الجزائر جزئياً إلى أوجه عدم المساواة المتعدّدة الأبعاد والمصاعب الاقتصادية. فقد فاقمت تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجدّ وإجراءات الإغلاق المرتبطة بها، مترافقة بالانخفاض في أسعار النفط في العام 2020، مكامنَ الخلل في الاقتصاد الجزائري، إذ يعاني الاقتصاد عدّة مسائل بنيوية ترتبط بسوء إدارة الريوع المتراكمة في العقد الأوّل من القرن وبيئة أعمال غير مؤاتية يطغى عليها الجيش وقطاع خاص مقيّد. والأهم أنّ الاقتصاد شديدُ الاعتماد على الغاز والنفط، اللذَين يتأثّران بتقلّبات الأسعار.

وبالفعل، استأثرت ريوع الغاز والنفط بنسبة 19 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي الجزائري للعام 2018 و40 في المئة من الموازنة الحكومية للعام 2018، فيما استأثرت صادرات النفط بنسبة 94 في المئة من صادرات البضائع في العام 2017 (راجع الرسم رقم 1). ونظراً إلى الضغوط المفروضة مؤخّراً على الموازنة الوطنية، من المتوقّع أنّه ينبغي على شركة سوناطراك، وهي شركة الغاز والنفط الجزائرية المملوكة من الدولة (وتسيطر على أكثر من 75 في المئة من إنتاج الهيدروكربون الإجمالي)، أن تحدّد سعر برميل النفط عند 118,20 دولار في العام 2020 و 135,20 دولار في العام 2021 للوصول إلى نقطة التعادل المالي.

algeria-1

المصدر: بنك المعلومات لمؤشرات التنمية العالمية في البنك الدولي.

بيد أنّ الجزائر ما زالت تُراكِم عجزاً مالياً ضخماً من المتوقّع أن يصل إلى 16,5 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2020 و14,8 في المئة في العام 2021، بسبب تراجع العائدات من صادرات الهيدروكربون. وقد انهار الطلب على النفط والغاز: ففي الشهرَين الأوّلين من العام 2020، انخفضت أحجام صادرات النفط الخام والمواد المكثّفة بنسبة 27 في المئة على أساس سنوي فيما تراجعت أحجام صادرات الغاز بنسبة 26 في المئة. علاوة على ذلك، أثّر فيروس كورونا المستجدّ بشدّة في بعض أهمّ الدول التي تشتري الغاز من الجزائر، فحتّى أبريل 2020، تراجعت صادرات الغاز بالأنابيب إلى إسبانيا بنسبة 44 في المئة على أساس سنوي.

وتفاقم الوضع بسبب تراجع أسعار النفط التي انخفضت إلى سعر قياسي وصل إلى 16-17 دولاراً للبرميل في أبريل 2020 ومن المتوقّع أن تبقى ما دون 45 دولاراً طوال سنة 2021. علاوة على ذلك، من المتوقّع أن يؤدّي تراجع الطلب على صادرات الوقود مقروناً بانخفاض الأسعار إلى استنفاد احتياطي الجزائر من العملات الأجنبية أكثر فأكثر. ومن المتوقّع أن يبلغ هذا الاحتياطي 44 مليار دولار بحلول نهاية العام 2020، متابعاً بذلك المنحى الانحداري الذي اتّخذه منذ العام 2014 عندما بلغ 195 مليار دولار (راجع الرسم 2). وبالإجمال، وتبعاً لأحدث توقّعات صندوق النقد الدولي، من المتوقّع أن يتقلّص الاقتصاد بنسبة 5,5 في المئة في العام 2020.

algeria-2

المصدر: بنك المعلومات لمؤشرات التنمية العالمية في البنك الدولي.

عدم مساواة مستمرّ

أرغم هذا التراجع في العائدات الدولةَ على إعادة النظر في سياستها المالية. ففي مايو 2020، أعلنت عن تخفيض نسبته 50 في المئة في الإنفاق العام وتأجيل عدّة مشاريع اقتصادية واجتماعية كانت قد وعدت بها. وقد تُسبِّب خطوات كهذه امتعاضاً أكبر في صفوف الحراك، الذي يطالب بإصلاحات على مستوى القاعدة تقضي على الفساد وأوجه عدم المساواة الاجتماعية الاقتصادية.

وبالفعل، تعاني الجزائر تفاوتات متعدّدة المستويات، بما فيها تفاوتات جنسانية ومناطقية (بين المدن والأرياف) وتفاوتات في فئات الدخل. فعلى مدى العقد المنصرم، ثبت معدّل البطالة الإجمالي للذكور عند نسبة 10 في المئة ونسبة البطالة للشباب الذكور عند 26 في المئة. أما لدى النساء، ولا سيّما الشابّات، استمرّت البطالة بالازدياد، ممّا وسّع الفجوة الجنسانية (راجع الرسمَين 3 و4). بالتالي، بات للجزائريات اللواتي يرغبن في الانخراط في سوق العمل فرصٌ متضائلة أكثر فأكثر للعثور على عمل مقارنة بنظرائهنّ الذكور.

algeria-3algeria-4

المصدر: بنك المعلومات لمؤشرات التنمية العالمية في البنك الدولي.

مع ذلك، حاولت الدولة تحسين إطار الأعمال التنظيمي لصالح النساء لمنحهنّ قدرة وصول أعلى إلى الفرص الاقتصادية. وقد ارتفع حاصل الجزائر في مؤشّر أعمال النساء وقوانينها 17 نقطة على مدى السنوات العشرين الماضية (لكنّه ما زال متأخّراً عن المغرب وتونس المجاورَين). وقد أظهرت البلاد تحسّناً من ناحية توزيع الدخل. فتبعاً لأحدث البيانات المتاحة، تراجع التفاوت في الدخل إلى مستوى أدنى بكثير من مستويات الدول المجاورة. لكن فيما استأثرت نسبةُ 10 في المئة الأثرى في البلاد بنسبة 23 في المئة من الدخل للعام 2011، لم تكن حصّة نسبة الـ 10 في المئة الأفقر سوى 4 في المئة. من ناحية أوجه عدم المساواة في الاستهلاك، تناهز الفجوة بين الأغنياء والفقراء نسبة 28 في المئة.

علاوة على ذلك، ما زالت الجزائر تواجه تفاوتات بين المناطق الحضرية والريفية. فمع أن الفجوة من ناحية قدرة الوصول إلى البنى التحتية والمرافق الأساسية تضاءلت مع الوقت، ما زالت بعض التفاوتات الأخرى قائمة، إذ يعاني سكّان الصحراء والسهوب الجزائرية مثلاً معدّلات فقر تفوق المعدّل الوطني بضعفَين أو ثلاثة أضعاف على التوالي.

التوقّعات: التنويع، التنويع، ثمّ التنويع

مع مساحة مالية محدودة لتغطية النفقات الحكومية وتمويل المشاريع الوطنية، لا خيار للدولة سوى الحدّ من النفقات ومراكمة دينٍ داخلي أكبر بتمويل من مصرفها المركزي. وعند اقتران هذا الأمر بالأزمة السياسية الجارية، سيؤجّج على الأرجح المزيد من الاضطراب السياسي. وفي وسع النظام معالجة هذا الأمر بشكل مؤقّت عبر السعي إلى الحصول على قروض طويلة الأجل من مقرضين خارجيين. لكنّ هذه الخطوة مستبعدة لأنّ النظام تفادى بيع الديون في الخارج منذ العام 2005 بسبب تجربتها السلبية التي عانتها عندما اقترضت من صندوق النقد الدولي في التسعينيات واضطرّت إلى إعادة هيكلة ديون أجنبية بقيمة مليارات الدولارات.

ولتحقيق تغيير طويل الأمد، ينبغي على الدولة الجزائرية منح الأولوية للإصلاحات العميقة التي تعيد تأهيل الاقتصاد بعيداً عن الاتّكال على النفط والغاز. وتوازي صادرات الجزائر غير الهيدروكربونية نحو 2 في المئة من مجموع صادراتها، ممّا يعني أنّها من أكثر الدول اتّكالاً على الهيدروكربون في العالم. لكن تبعاً لصندوق النقد الدولي، ستستنفد الجزائر احتياطها الحالي من النفط والغاز بحلول أواسط ثلاثينيات هذا القرن وخمسينياته على التوالي. وكان ينبغي على الجزائر أن تتحضّر لخطّة تنويع اقتصادي ضخمة منذ عقدَين إلى أربعة عقود على غرار الدول الأخرى الغنية بالموارد مثل أندونيسيا وماليزيا. لكن ما زال أمام النظام بعض المجال لتطبيق الإصلاحات إن خفّض معدّل نموّ الاستهلاك المحلّي عبر تخفيض الدعم على الهيدروكربون، فيؤخّر بذلك زمنَي النفاد. وتُعتبر السياحة (ما بعد فيروس كورونا المستجدّ) قطاعاً ذا إمكانيات لتحقيق الربح، فبإمكانه العمل كمصدر بديل للعملات الأجنبية. لكن لجعل البلاد وجهة دولية جذابة وتشجيع الاستثمار في هذا القطاع ينبغي على النظام الاستثمار بشدّة في الأمن وأماكن الإقامة وصورته. وعليه أيضاً إصلاح قوانين التأشيرة الصارمة التي يعتمدها.

وتكمن طريقة أخرى لتحقيق تغيير طويل الأمد في تعزيز نموذج النمو بقيادة القطاع الخاص. فالاقتصاد الجزائري حالياً يعتمد نموذج نمو مدفوعاً بقطاع عام متضخّم قيّد بيئة الأعمال وتطوير القطاع الخاص. وفي مؤشّر سهولة ممارسة الأعمال تُحقّق الجزائر نتائج رديئة وتتأخّر كثيراً عن الدول المجاورة بـ20 إلى 25 نقطة. وتعاني البلاد تقصيراً بشكل خاصّ من ناحية قدرة الوصول إلى الائتمان (المرتبة 181 من أصل 190 اقتصاداً) وحماية المستثمرين الأقلّيات (المرتبة 179) وتسجيل الملكية (المرتبة 165) وإطلاق الأعمال (المرتبة 152). وتحدّ قيود كهذه فرص مبادرات الأعمال واحتمالات صمود الشركات الناشئة، وهذان عنصران حاسمان لتطوير قطاعٍ خاص مستدام قادر على استيعاب الأعداد الوافدة من الخرّيجين الشباب والمساهمة في النمو غير المرتبط بالغاز والنفط.

في غضون ذلك، على المدى المتوسط، الدولة بحاجة إلى تنويع التدفّق في عائداتها وإعادة بناء المخزونات المالية الاحتياطية والاستمرار بإعادة توجيه الإنفاق الذي لا يحتلّ بالأولوية.

Authors