Commentary

دور الهند المتغيّر في شؤون الشرق الأوسط

Iran's President Hassan Rouhani (L) and India's Prime Minister Narendra Modi review the honor guard during an official welcoming ceremony in Tehran, Iran May 23, 2016. President.ir/Handout via REUTERS FOR EDITORIAL USE ONLY. NO RESALES. NO ARCHIVES. ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. - RTSFHK9
Editor's note:

تم نشر هذا المقال باللغة الانكليزية في جريدة ذا ناشونال.

عندما يفكّر الناس بدور الهند في الشرق الأوسط، غالباً ما يرَون في دلهي قوة حميدة تتجنب القضايا الأمنية وتركّز على تصدير العمالة واستيراد النفط. على مدى فترة طويلة من التاريخ، كان هذا الكلام صحيحاً. إلا أنّ الأمور قد تغيّرت خلال السنوات الأخيرة، فقد بدأت الهند تفكّر وتعمل بطريقة أكثر استراتيجية.

وخلال معظم الفترة منذ استقلال الهند، تمحورت العلاقات بين الهند والشرق الأوسط على الروابط الاقتصادية. وقد حدّدت تحالفات الحرب الباردة والعداء مع باكستان العلاقات السياسية بشكلٍ كبير. في الحقيقة، يمكن فهم التركيز على الشق الاقتصادي، نظراً لمكانة الشرق الأوسط الأساسية لازدهار الهند.

بلغ حجم التبادل التجاري مع دول مجلس التعاون الخليجي 137,7 مليار دولار في العامين 2014 و2015، محققاً نمواً من 5,5 مليار دولار في العام 2001. وبحلول العام 2015، أصبحت الهند والصين أهم شريكتين في مجالي التجارة والاستثمار لدول مجلس التعاون الخليجي. وتعد العمالة العامل الأهم في هذه المعادلة، إذ يعمل ملايين الهنود في المنطقة. في العامين 2015 و2016، بلغت قيمة تحويلات الهنود العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي نحو 35,9 مليار دولار.

خلال العقد المنصرم، زادت عوامل عديدة رهانات الهند الاستراتيجية. بداية، حازت الأعمدة القائمة للعلاقات (كتجارة الطاقة) أهمية استراتيجية أكبر. وثمة توقعات متزايدة بين صناع السياسة تفيد أن الهند ستصبح قوة استراتيجية عالمية في نهاية المطاف. وبما أنّ للنفط أهميّة خاصة لتوقعات القوة العسكرية، يفترض اعتماد الهند المتنامي أصلاً على الطاقة الشرق أوسطية بعداً أكثر استراتيجية.

زادت واردات الهند الصافية من النفط كنسبة طلب من 42 بالمئة في العام 1990 إلى نحو 71 بالمئة من العام 2012. ومع حلول العام 2016، استوردت الهند أكثر من نصف حاجتها من النفط والغاز من الخليج. خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى المملكة العربية السعودية، اتفقت الدولتان على تحويل علاقة البائع – الشاري إلى شراكة استراتيجية أعمق. وربط البيان المشترك الصادر عقب هذه الزيارة صراحةً علاقات التجارة المتوسعة بالالتزام الاستراتيجي المعزز. ولكن في الوقت ذاته تقوم دلهي باستثمارات استراتيجية في إيران، خصم الرياض، لا سيما في ميناء شباهار.

ثانياً، تنمو طموحات الهند الأمنية في ما تعتبره جوارها الموسّع بما في ذلك المحيط الهندي. أشار استطلاع أًجري في العام 2013 أن 94 بالمئة من الهنود يعتقدون أن بلادهم يجب أن تملك أقوى أسطول بحري في المحيط الهندي وأن 89 بالمئة منهم يعتقدون أنه يجب على الهند أن تبذل المزيد من الجهود لقيادة التعاون في المنطقة. وفي هذا الصدد، تُعتبر العلاقات الأمنية مع الشرق الأوسط مهمّة. وتزيد التجارة الدولية المتنامية التي تقوم بها الهند من أهمية حماية المجالات البحرية في الشرق الأوسط. ومنذ العام 2000، أشارت إدارتا حزب المؤتمر الوطني وحزب الشعب الهندي إلى أن الشرق الأوسط مرتبط استراتيجياً بجنوب آسيا. تشير عقيدة الهند البحرية للعام 2009 إلى أهمية الخليج وبحر العرب بالنسبة لمصالح الهند، بما في ذلك ضمان أمن نقاط الاختناق.

رابعاً، يشعر صناع السياسة الهنود بالقلق إزاء غياب الاستقرار المتزايد وضعف الدول في الشرق الأوسط، الأمر الذي يهدد واردات الهند من الطاقة والشتات الهندي في الخارج. أدى عجز الهند سابقاً عن التأثير على الجيوسياسة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى افتقارها إلى الوجود الأمني إلى إخلاء شتاتها كلّفها الكثير. وقد شمل ذلك الإخلاء الأكبر في التاريخ حين تم إخلاء 200 ألف هندي جواً من الكويت خلال حرب الخليج.

أما العامل الرابع وربما الأهم، فيتجلّى في تزايد تعدد الأقطاب في الشرق الأوسط، مع التراجع الطويل الأمد للنفوذ الأمريكي الأمر الذي وفّر مساحة أكبر للآخرين. فخلال عهد باراك أوباما، حاولت واشنطن الابتعاد عن المنطقة. حتى مع التغيير الكامل الذي يتحدث عنه دونالد ترامب بخصوص سوريا، سيؤثر التعب العام من التدخل في الشؤون الخارجية على الحسابات السياسية. وقد لوحظ ذلك عبر الثورة التي عقبت الضربات على سوريا بين داعمي ترامب الذين صوتوا للميول المناهضة للتدخل في الشؤون الخارجية التي ساعدت على تحديد حملته.

في الوقت ذاته، إنّ القوى غير الغربية في صدد تعزيز وجودها الجيوسياسي. وتستخدم روسيا دورها في سوريا كقوة في علاقاتها مع الحلفاء الغربيين على غرار دول الخليج. ومن مصلحة الهند الكبرى أنّ الصين تترجم علاقتها الاقتصادية الهائلة إلى علاقات استراتيجية.

تعتبر بكين الشرق الأوسط جزءاً من الطرق التجارية التي ترمي إلى ضمان أمنها والتي تمتد من شرق آسيا وصولاً إلى أفريقيا وأوروبا. تقدّم الصين نفسها كبديل لأمريكا أقل تسرعاً في إصدار الأحكام. كما أنها وقعت اتفاقيات أمنية مع أصدقاء أمريكا كالمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى تأمين الحماية الدبلوماسية لخصومها على غرار إيران.

عزز دخول الصين من أهمية الشرق الأوسط الاستراتيجية بالنسبة للهند، فقد دفع دلهي إلى زيادة نفوذها وتجنيب بكين الحصول على المزيد من التأثير على أمن الطاقة الهندي وعلى التمتع بإحاطة حلفائها.

واستجابةً لهذه العوامل الناشئة، حدثت زيادة كبيرة في النشاط. لقد تطورت سياسة التواصل مع الغرب التي يعتمدها السيد مودي والتي تركّز على الشرق الأوسط لتتحول إلى سياسة “التفكير غرباً” مع زيادة الزيارات الثنائية. في السنوات الأخيرة، وقّعت دلهي اتفاقيات أمنية ودفاعية مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان ودولة قطر. في الوقت ذاته، وفي ما يتعلق بسوريا، قدّمت دلهي (على غرار بكين) دعماً صامتاً نوعاً ما لبشار الأسد، ووضعت نفسها في مكان ما بين الغرب وروسيا. وإذ تنظر الولايات المتحدة في خياراتها الاستراتيجية في منطقة سريعة التغير، قد يبدو دور الهند المتزايد أمراً لا يمكن تجاهله.

Authors