Commentary

Op-ed

عهد التميمي ومحنة الأطفال الفلسطينيّن المحتجزين

Palestinian teenager Ahed Tamimi is welcomed by relatives and supporters after she was released from an Israeli prison, at Nabi Saleh village in the occupied West Bank July 29, 2018. REUTERS/Mohamad Torokman
Editor's note:

تقول ميا سوارت إنّ إسرائيل هي إحدى الدول القليلة في العالم التي تضع الأطفال في الاعتقال الإداري. وقد نُشرت المقالة بالأصل على موقع صحيفة “دايلي مافريك” وهذه هي الترجمة باللغة العربية.

بعد انقضاء ثمانية أشهر على سجن عهد التميمي في سجن إسرائيلي، أُطلق سراحها في أواخر شهر يوليو. والجدير بالذكر أنّه قد أُلقي القبض على التميمي، البالغة من العمر 17 ربيعاً، في ديسمبر 2017 بسبب صفعها جندي إسرائيلي وركله خارج منزلها في قرية النبي صالح. وقد حدث ذلك عقب معرفتها بإطلاق جندي إسرائيلي النار على وجه ابن عمّها البالغ من العمر 14 ربيعاً. 

وقد حظيت قضيّة التميمي باهتمام هائل من وسائل الإعلام، إذ تمّ ترشيحها لجائزة السلام في إيرلندا ودعوتها مؤخّراً لزيارة جنوب أفريقيا في وقت لاحق من سنة 2018، كجزء من احتفالات الذكرى المئويّة لمانديلا. وقد كرّم فنّان شارع إيطالي التميمي عبر رسم وجهها على جدار الفصل العنصري، إلّا أنّه تمّ احتجازه لاحقاً بسبب “تخريبه” هذا الجدار.

وفي خلال مؤتمر صحفي عقدته التميمي بعد إطلاق سراحها من السجن، تحدّثت عن استجواب الجنود الإسرائيليّين لها وعن عدم تطبيق القانون الإسرائيلي المتعلّق بالاحتجاز. فعلى سبيل المثال، كان يحقّ لها وجود حارسة لدى الاستجواب، وهو ما لم يحصل قطّ.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الكثير قد قيل عن تسليط قضيّة التميمي الضوء على وضع الأطفال في الاحتجاز الإسرائيلي. ففي السنوات الأخيرة، زاد عدد الأطفال الفلسطينيّين في الاحتجاز زيادة حادّة وقد وصل عددهم الحالي إلى حوالي 350 طفلاً في السجون الإسرائيليّة. وأكثر ما يزعج في الأمر أنّ العدد الأكبر من هؤلاء الأطفال هو في الاحتجاز السابق للمحاكمة، وغالباً ما يكون سبب اعتقالهم غير واضح. والجدير بالذكر أنّ إسرائيل هي إحدى الدول القليلة في العالم التي تضع الأطفال في الاعتقال الإداري. وقد أشارت المنظّمة غير الحكوميّة الإسرائيليّة “بتسيلم” إلى أنّ حقوق القاصرين الفلسطينيّين تُنتهك لحظة اعتقالهم فوراً.

حتّى أنّ القانون الإسرائيلي نفسه ليس مطبّقاً على الأطفال الفلسطينيّين، إذ لا يقتصر تعنيف الأطفال المحتجزين وتعذيبهم على الإيذاء الجسديّ فحسب ويبدأ لحظة اعتقالهم. وتعدّ الأساليب المعتمدة في الاستجواب محطّ اهتمام خاصّ، فقد كشف فيديو نُشِر في أبريل عن استجواب جنديّيْن للتميمي، قال فيه أحدهما للتميمي إنّ عينيها “عينا ملاك”، وهدّدها بإلحاق الضرر بأطفال قريتها في حال رفضت تزويده بالمعلومات.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الممارسات المستخدمة ضدّ الأطفال تشمل ساعات طويلة في غرف الاستجواب منذ لحظة الاعتقال وظروف معيشيّة متدنيّة في سجون الاحتلال وسوء معاملة فيها، بالإضافة إلى عقوبات قاسية مفروضة كعقوبات السجن الطويلة. ويخضع الأطفال أيضاً إلى إجراءات تعسّفيّة، بما فيها الضرب والتعذيب والاعتداء والإيذاء، في مراكز الاعتقال والاستجواب. هذا وبعضهم لا يَصل إلى هذه المراكز ويُقتل بدم بارد. وقد قتلت القوات الإسرائيليّة 31 طفلاً هذا العام حتى الآن. وبعض عمليّات القتل هذه تحدث في خلال الغارات الموجّهة على منازل العائلات. وحتّى اليوم، يسيطر غيابٌ مخيف للمحاكمات المنوطة بهذه الجرائم المرتكَبة بحقّ الأطفال الفلسطينيّين.

وممّا لا ريب فيه أنّ الأعمال التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي تنتهك القانون الدولي. وأكثر ما يثير الإزعاج هو أنّ سوء معاملة الأطفال ينتهك اتّفاقيّة حقوق الطفل التي تُعتبر إحدى أكثر الاتّفاقيات الدوليّة المصادق عليها بشكل واسع. فالطرق الوحشيّة المعتمدة بحقّ الأطفال في الاستجواب تبلغ حدّ التعذيب.

والجدير بالذكر أنّ تحريم التعذيب منصوص في اتّفاقيّات جنيف وفي اتفاقيّة الأمم المتّحدة لعام 1984 لمناهضة التعذيب، ومضمون هذه الاتّفاقيّات هو قانون دولي عرفي. فهذا يعني أنّ مضمونها ملزمٌ حتّى للدول التي لم تصادق على هذه الاتّفاقيات. وتبقى اتفاقيّة الأمم المتّحدة لمناهضة التعذيب إحدى أكثر الاتّفاقيات المصادق عليها بشكل واسع، وقد وقّعت إسرائيل عليها عام 1986 ورفعت تقارير دوريّة للجنة الأمم المتّحدة لمناهضة التعذيب. بيد أنّه في مناسبات مختلفة تبيّن لهذه اللّجنة انتهاك إسرائيل لاتفاقيّة الأمم المتّحدة لمناهضة التعذيب في أساليب الاستجواب التي تعتمدها. ومع ذلك، تواصل إسرائيل تبرير استعمال التعذيب أمام محكمة العدل العليا وفي تقاريرها للجنة الأمم المتّحدة المناهضة للتعذيب. ولا يزال تعذيب الأطفال يبرز بشكلٍ عادي في سياسة الاعتقال الإسرائيلية. وقد وصف تقرير صادر عن اليونيسيف سوء معاملة الأطفال الفلسطينيّين في الاحتجاز العسكري الإسرائيلي بـأنه “واسع النطاق ومنهجي ومؤسسي”.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ اللوحة الجداريّة للتميمي قد رُسمت على جزء من جدار الفصل بالقرب من بيت لحم. وتبدو مرسومة إلى جانب اللوحة الجداريّة التابعة للفلسطينيّة ليلى خالد التي اختطفت طائرة أمريكية. فالتميمي، خلافاً لِخالد، تدعو إلى المقاومة السلميّة. بيد أنّ مساحة المقاومة في فلسطين تتقلّص شيئاً فشيئاً، وتدلّ التظاهرات المستمرّة أيام الجمعة هذه السنة على زيادة نفاد صبر الفلسطينيّين.

Authors