BPEA Spring 2024 conference

LIVE

BPEA Spring 2024 conference

Commentary

Op-ed

خبراء مركز بروكنجز الدوحة يستعرضون تداعيات فيروس كورونا المستجدّ على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

RIAD, SAUDI ARABIA- In the photos taken on March, 24 of 2020, Saudi Arabia started its curfew due to coronavirus (COVID-19) outbreak. King Salman bin Abdul Aziz Al Saud has announced a curfew across the country for the next 21 days. Starting Monday (23), residents must stay inside their homes starting at 7 p.m. until 6 a.m., according to the Saudi state press agency. Employees of certain industries, including food services, healthcare and the media, are excluded from the 11-hour curfew. In addition, the Interior Ministry said it will take the necessary measures to enforce the new regulations.

تمّ تحديد فيروس كورونا المستجدّ، أو ما يُعرف أيضاً بـ كوفيد 19، للمرّة الأولى في يناير 2020 بعد أن تسبّب بوقوع مرضى في مدينة ووهان الصينية. ومنذ تلك الآونة، تفشّى بسرعة في أرجاء العالم، مسبّباً حالة من الهلع وعدم اليقين. وحتى لحظة كتابة هذه المقالة، تمّ تأكيد إصابة ما يقارب نصف مليون حالة ووفاة 20 ألف شخص في العالم. وتستمرّ هذه الأرقام بالارتفاع بوتيرة مقلقة.

وسبق أن تأثّرت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشدّة، مع بروز إيران كبؤرة عالميّة أوّليّة لتفشي فيروس كورونا المستجدّ. ومع استمرار تفشّي الجائحة في أرجاء المنطقة، تأخذ الحكومات خطوات متزايدة الحدّة للسيطرة على تقدّمها، بما في ذلك حظر التجمّعات العامة وفرض حظر التجوّل ومنع الرحلات الجوية وتطبيق إجراءات مراقبة. ومع تطوّر أزمة فيروس كورونا المستجدّ بوتيرة شديدة السرعة، ينظر خبراء مركز بروكنجز الدوحة إلى المستقبل، فيتشاطرون أفكارهم حول أهمّ تداعيات الحائجة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي الاستشرافات التالية، يحدّد الخبراء التحديات الإقليمية الكبرى، متطرّقين إلى المسائل السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية. ومع أنّ الكثير من أوجه الجائحة يبقى مجهولاً، تقدّم هذه الاستشرافات رؤى مهمّة حول الأثر الذي سبّبه فيروس كورونا المستجدّ في المنطقة حتى اللحظة، فضلاً عن تداعيات ما سيحمله المستقبل.

طارق يوسففيروس كورونا المستجدّ يمكن أن يؤدّي إلى عدم استقرار في الاقتصاد الكلّي واضطرابات شعبية

كان من المتوقّع أن يتحسّن الأداء الاقتصادي لاقتصادات الشرق الأوسط في العام 2020 بعد فترة من النمو الهزيل بسبب مزيج من أسعار نفط أدنى ومتقلّبة وتباطؤ اقتصادي عالميّ وتوتّرات جيوسياسية إقليمية. طبعاً كان الانتعاش المتوقَّع متواضعاً وبقيت الماليات العامة لمعظم الدول سريعةَ التأثّر بالصدمات الخارجية. وشهدت السنتان الماضيتان أيضاً عودة الاحتجاجات الشعبية في أرجاء المنطقة مع انتفاض الشعب على الأمن الاقتصادي المتضائل وأنظمة الحماية الاجتماعية المتدهورة.

بناء على ذلك، من الصعب المبالغة في التداعيات الكارثية المحتملة للضربتَين القاسيتين اللتَين شكّلهما حائجةُ فيروس كورونا المستجدّ والانهيارُ الكبير في أسعار النفط. وسبق أن أثّرت التراجعات الكبيرة في العائدات بالعملات الأجنبية في الموازين المالية وسوف تعيق قدرة معظم الحكومات على الاستجابة للإجراءات المالية اللازمة للتخفيف من آثار الحائجة المعطّلة للنشاط الاقتصادي المحلّي. وليس في وسع الاقتراض الداخلي ردم الفجوات المالية المتزايدة. أما الاقتراض الدولي، بعد سنوات من الدين السيادي المتعاظم، فسيُعرض لقاء كلفة أعلى بكثير ويولّد مخاطر في المستقبل.

وأكثر ما يُقلق هو أثر هذه الظروف في سبل العيش الاقتصادية، ولا سيّما لدى الطبقتَين الفقيرة والعاملة، نظراً إلى شبكات الأمان المُنهكة أصلاً. فمع مدّخرات قليلة أم معدومة وانخفاض الإعانات الغذائيّة وبدون تأمين ضدّ البطالة، تجد شرائح سكّانية كبيرة منخرطة في أعمال كفافية أو غير رسمية لإعالة عائلاتها نفسها عاجزة عن تحمّل ملازمة المنزل أو انقطاع في سُبل عيشها لفترة مطوّلة. ولن تكون اليد العاملة المستورَدة غير الماهرة في الدول المصدّرة للنفط بمنأى عن الضرر الاقتصادي الكبير. وليس واضحاً كذلك ما إذا كانت معظم الحكومات لديها القدرة على الاستجابة للضغوط المتزايدة على أنظمة الرعاية الصحية وقنوات توزيع الغذاء.

نتيجة لذلك، كلّما طالت فترة التعطيل الاقتصادي التي تسبّبها جائحة فيروس كورونا المستجدّ وكلّما زادت الضغوط على حكومات المنطقة المقيَّدة، زاد الاحتمال بأن يتفاقم عدم الاستقرار في الاقتصاد الكلّي وبأن يعود الاضطراب الشعبي الواسع النطاق إلى الظهور في العام 2020.

رانج علاء الدينفيروس كورونا المستجدّ يمكن أن يصبح أثراً مضاعِفاً للصراعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

يمكن أن تزيد جائحة فيروس كورونا المستجدّ الضغطَ على الخدمات العامة وتدمّر البنيةَ التحتية المُهملة أصلاً لقطاع الصحّة العامة وتعيد إحياءَ الخصومات الجيوسياسية في أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد تقوّض أيضاً شرعيةَ النخب الحاكمة مع التسبّب بتآكل رأس المال الاجتماعي في المجتمعات التي سبق أن باتت تعاني انقسامات اجتماعية اقتصادية وسياسية وإثنية مذهبية. وإن لم يتمّ تطبيق استراتيجية احتواء فورية وشاملة، يمكن أن تصبح الجائحة أسوأ أزمة تصيب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2014، مع تداعيات كارثية مشابهة عبر الحدود الوطنية.

لكن يبدو من الممكن أن تطيح باستراتيجيات الاحتواء تحدياتٌ سياسية واجتماعية اقتصادية أخرى تواجهها المنطقة سبق أن دفعت ببلدان هذه المنطقة ومواطنيها إلى شفير الهاوية. فالعراق مثلاً على شفير الانهيار الاجتماعي الاقتصادي بسبب تزايد أعداد الشباب والتردّي الاقتصادي والبنية التحتية المتضعضعة. ويواجه أيضاً حركة احتجاجية أغرقت البلاد في أزمة وجودية. أما سوريا، فما زالت واقعة في حرب أهلية دمّرت هيكليات الحكم الرسمية وهجّرت الملايين وقتلت مئات الآلاف. في غضون ذلك، لبنان على وشك الإفلاس ويواجه مستويات مرتفعة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. 

إنّ الدول التي تواجه صراعات هي التي ستشهد الأثر الأكثر حدّة للجائحة. فعلاوة على استعمال النخب والميليشيات والقوى الخارجية المنخرطة في حروب بالوكالة الأزمةَ كسلاح، يمكن أن تزيد الجائحة من خراب المجتمعات والشعوب الذين هملهم المجتمع الدولي والذين يفتقرون إلى الموارد لتفادي تداعيات الفيروس التي يحتمل أن تكون مدمّرة. ومخيّمات اللاجئين هي الأكثر هشاشة، ويعزى ذلك في جزء كبير منه إلى أنّ عشرات الآلاف يعيشون في ظروف مزرية في مناطق مكتظّة. فحتّى قبل الجائحة الراهنة، كانت البلدان المضيفة مرهقة وعاجزة عن تلبية الحاجات الإنسانية الملحّة للمخيّمات.

بعبارة أخرى، لا شكّ في أنّ فيروس كورونا المستجدّ سيغدو أثراً مضاعِفاً للصراعات في أرجاء المنطقة إن لم يتمّ احتواؤه. فكما هو الحال منذ عدّة سنوات حتّى اليوم في ما يخصّ الصراعات والأزمات الراهنة، لن تبقى تداعيات الجائحة محصورة بالمنطقة إن لم يأتِ ردّ دولي في القريب العاجل.

جنيف عبدوفيروس كورونا المستجدّ سيزيد من عدم استقرار النظام الإيراني

اقترح الرئيس حسن روحاني مؤخّراً أنّ إيران ستباشر مع بداية إبريل بالحدّ من القيود المفروضة لاحتواء الفيروس. ظاهرياً، يبدو هذا خبراً مربكاً.

تقع إيران في قلب منطقة تفشّي الفيروس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتواجه واحداً من أعلى معدّلات الوفيّات في العالم. وحتّى لحظة كتابة هذه المقالة، أعلنت إيران عن إصابة أكثر من 23 ألف شخص ووفاة أكثر من 1800. ومنذ أن ظهر فيروس كورونا المستجدّ رسمياً في مدينة قم الشيعية المقدسة في أواسط فبراير، أصابت العدوى عدّة مسؤولين حكوميين، من بينهم نائب وزير الصحّة، ومات بعضهم. فالحكومة كانت غير متحضّرة للتعامل مع تفشّي الفيروس بسبب تأثيرات العقوبات الأمريكية والنظام الصحّي الإيراني المتقادم وانعدام ثقة الشعب بقرارات الحكومة.

بيد أنّ اقتراح روحاني، مع أنّه يسري عكس المنطق التقليديّ، منطقيٌّ في السياق الإيراني. فالقيود المفروضة بسبب تفشّي الفيروس ليست سوى نقطة جديدة تُضاف إلى لائحة الشكاوى الطويلة لدى الإيرانيين. فقد برزت احتجاجات في أرجاء البلاد بشكل متقطّع منذ العام 2017، مُتحدّية سلطة الحكومة ومُهدّدة بشكل متزايد استقرارَ النظام. وقد اشتكى المحتجّون من فساد الحكومة الذي أدّى إلى خدمات عامة رديئة وغياب الوظائف والتلوّث.

ويزعم روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف أنّ العقوبات الأمريكية هي السببُ الرئيسي للصعوبة التي تواجهها الحكومة في احتواء الفيروس. بيد أنّ المجتمع الإيراني لن يظنّ ذلك على الأرجح. فقد وردت تقارير بأنّ الحكومة حاولت في البداية إخفاء تفشّي الفيروس، فضلاً عن الانتقاد الإعلامي خارج إيران أنّ الحكومة لا تقوم بما يكفي لاحتواء الفيروس. فتبدو الحكومة، ولا سيّما فصائلها المتشدّدة، مهتّمة بالمحافظة على قوّة النظام أكثر منه احتواء الفيروس.

وعلى الرغم من أنّ الفيروس يهدّد استقرار النظام، تستمرّ مناورات إيران العسكرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأوسع كالمعتاد، ولا سيّما هجماتها داخل العراق. وما زالت العلاقات مع الولايات المتّحدة على ما هي أيضاً. ففي هذا الشهر بالذات، هاجمت ميليشيات شيعية مدعومة من إيران قواعد للتحالف بقيادة الولايات المتحدة.

وإن دلّت هذه الاتّجاهات على شيء، فهو أنّ مستقبل إيران القريب سيكون “على حاله” على الأرجح، من دون تغيير في السياسات في الداخل أو في المنطقة. لكن في النهاية، إن أدّى الفيروس إلى المزيد من الاضطراب المحلّي، فقد يضرّ بالنظام أكثر ممّا ستضرّ به العقوبات الأمريكية.

علي فتح الله نجادفيروس كورونا المستجدّ يُبرزأنماطاً جديدة من التبعيةفي إيران

مع بروز إيران كبؤرة لتفشي فيروس كورونا المستجدّ في منطقة الشرق الأوسطّ، لا يمكن فصل تفشّي الفيروس وانتشاره عن العوامل السياسية والجيوسياسية.

فكما كان الحال مع الصين، أخفت السلطات في إيران تفشّي الفيروس المستجدّ لعدّة أسابيع، ولم تُعلن طهران عن الإصابات والوفيّات الأولى إلا في النصف الثاني من فبراير، إذ لم يرغب النظام في الإفصاح عن التفشّي لأنّه أراد حشد الشعب لذكرى الثورة الإسلامية والانتخابات النيابية التي جرت في وقت سابق من ذاك الشهر.

ويبدو أنّ “الرابط الصيني” يقع في صميم التفشّي في إيران. فعندما تمّ الإبلاغ عن حالات الإصابة الأولى بالفيروس في الصين وأعلنت منظّمة الصحّة العالمية “حالة طوارئ صحّية عامة” في أواخر يناير، أعلنت إيران، شأنها شأن الدول الأخرى، حظراً على الرحلات من الصين وإليها. بيد أنّه في الأسابيع الثلاثة الأولى بعد الحظر، تابعت شركة طيران ماهان، إحدى شركات الطيران الإيرانية الكبرى، تشغيل الرحلات كالمعتاد، بعد أن وردت تقارير أنّ رئيسها التنفيذي التقى السفير الصيني في طهران.

ويشكّل الرابط الصيني هذا خيرَ مثال على ما أسميتُه “أنماطاً جديدة من التبعية” ستواجهها إيران إزاء القوى العظمى الشرقية مثل الصين وروسيا في خضمّ محاولاتها للتصدّي للضغوط الغربية. بالتالي، سواء أطوعياً أم كإشارة للانصياع التوقّعي، حافظت إيران على صلات السفر إلى الصين ومنها. بعبارة أخرى، أعطت السلطات الإيرانية الأولوية للمصالح السياسية على حساب إطلاع الرأي العام كما يلزم بشأن تفشّي الفيروس واتّخاذ الاحتياطات المناسبة.

لقد عقّد خداع الحكومة وسوء تعاملها مع الأزمة جهودَ السلطات لاحتواء الفيروس، لأنّ الشعب غالباً ما لا يثق بالإجراءات التي يعتمدها النظام وبالمعلومات التي يعلنها. في غضون ذلك، يبدو أنّ الأثر الاقتصادي في اقتصاد متعثّر أصلاً سيكون مدمّراً. فقد تأثّر كلا الاستهلاك المحلّي والتجارة الإقليمية، وهما عنصران أساسيان لدعم اقتصاد يعاني العقوبات، بشكل كبير.

عمر حسن عبدالرحمنفيروس كورونا المستجدّ يمكن أن يزيد الانزلاقات المناهضة للديمقراطية في إسرائيل وفلسطين

في إسرائيل وفلسطين، كما هو الحال في باقي العالم، تتسارع الأحداث وتتغيّر الظروف بسرعة. وعلى الرغم من المعاداة بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، وسّعتا التعاون الأمني بينهما ليشمل إدارة أزمة فيروس كورونا المستجدّ، مع استمرار ديناميات القوى المعهودة بين جهة احتلالية وجهة مُحتلَّة. ومع أنّ السلطة الفلسطينية تعمل ظاهرياً مع إسرائيل، طبّقت تلك الأخيرة حجراً منزلياً على المدن والقرى الفلسطينية حسبما تراه مناسباً.

وستكون التداعيات المالية قاسية على الأرجح، ولا سيّما على الاقتصاد الفلسطيني المتضعضع أكثر بكثير. ولا شكّ في أنّ الجائحة ستمتحن نظام الرعاية الصحّية الفلسطيني الرديء أصلاً. وإن انتشر الفيروس في قطاع غزّة، يمكن أن يكون كارثياً للغاية. وفي إسرائيل أيضاً، نظام الرعاية الصحّية هو من أكثر القطاعات المُهمَلة في البلاد، وقد يكون تفشّي الفيروس أعلى من قدرة تحمّله.

التداعيات السياسية على المجتمعَين كليهما متغيّرة وغامضة. وفي خضمّ المياه السياسية المتلاطمة قبل الجائحة، قد تجد القيادتان الإسرائيليّة والفلسطينيّة على حدّ سواء ما هو إيجابي لهما في الأزمة. 

فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه اتهامات جنائيّة ونظاماً سياسياً عالقاً، ومفوّضوه حالة الطوارئ وأشرفوا على تعليق اجتماعات الكنيست والجهاز القضائي وأخّروا بداية محاكمته واستأثروا بتكنولوجيا المراقبة في البلاد لاستعمالها من دون إشراف برلماني. والآن، يبدو نتنياهو عازماً على الضغط على المعارضة السياسية لتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسته.

أما في ما يخصّ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس الذي أعلن حالة الطوارئ أيضاً، فقد منحته الأزمة فرصة استعراض قيادته في وقت باتت فيه شرعيّته وشرعية السلطة الفلسطينية موضعَ شكّ كبيراً. ومنحته أيضاً تأجيلاً للمسائل الملحّة مثل “صفقة القرن” التي طرحها ترامب والحاجة إلى إقامة انتخابات لطالما وعد بها من دون أن يوفي. مع ذلك، ومع ثقة شعبية في أدنى مستوياتها، كان على مسؤولي السلطة الفلسطينية أيضاً طمأنة المجتمع أنّ الإجراءات الصارمة المستخدمة لمواجهة الجائحة لا دوافع سياسية لها، ولا سيّما بعد أن اعتقلوا ناقداً معروفاً بعد صدور إجراءات الطوارئ مباشرة.

ويمكن أن تعزّز فترة مطوّلة من الأزمة الانزلاقاتِ المناهضةَ للديمقراطية الجارية على قدم وساق أصلاً في إسرائيل وفلسطين كلتيهما.

ياسمينة أبو الزهورستكون لفيروس كورونا المستجدّ تداعياتٌ واسعة النطاق في المغرب العربي

في الوقت الذي تّتخذ فيه ليبيا خطوات لتفادي تفشّي فيروس كورونا المستجدّ، يعتمد قادة آخرون في منطقة المغرب العربي إجراءات صارمة لكبح تقدّم الجائحة. وتشمل هذه الإجراءات حظر التجمّعات العامة وفرض العزل الإلزامي وإلغاء الصفوف الدراسية وإغلاق المساجد وتسريح اليد العاملة بشكل جزئي وتعليق السفر الجوي والبحري والبرّي.

ستكون لبعض الإجراءات تداعياتٌ اقتصادية قاسية في منطقة المغرب العربي. فمع استمرار القيود على السفر، سيعاني المغرب وتونس، اللذان يعتمد اقتصادهما على السياحة. ومع هبوط أسعار النفط ستعاني الجزائر وليبيا اللتان تصدّران الهدروكربون أيضاً. وستؤثّر الاضطرابات التي ستطال التجارة مع الصين سلباً في المغرب والجزائر وتونس، فيما ستضرّ الأسواق الأوروبية المتراجعة بالمغرب، الشريك التجاري الأكبر لأوروبا في منطقة البحر المتوسط.

على الصعيد السياسي، على الرغم من أنّ الجائحة قد تؤمّن فترة استراحة من الاحتجاجات الدائمة في الجزائر، فإنّ سلوك النظام في هذا الوقت، مع أنظمة رعاية صحّية متواضعة وتفاوت اجتماعي، سيفضي في النهاية إلى بروز معارضة في أرجاء المغرب العربي. ففي المغرب حيث أُشيد بالإجمال بالردّ الحكومي، أثار قرار إغلاق المساجد انتقادات الشخصية السلفية البارزة، عبد الحميد أبو نعيم، في حين أدّى الحظر العام إلى تظاهر عشرات الأشخاص في طنجة وفاس وتطوان. واعتقلت السلطات منذ ذلك الحين أبو نعيم، الذي ينتظر المحاكمة حالياً، بالإضافة إلى مجموعة من الأشخاص المتّهمين بالتحريض على الاحتجاجات. وقد انتشرت على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصورٌ لقوات الأمن وهي تقمع بعنف الأفراد الذين اعترضوا على الحظر. وسيواجه ردّ الفعل هذا انتقاداً من ناشطي حقوق الإنسان ومجموعاتها الذين اتّهموا النظام بالقمع القضائي في الآونة الأخيرة.

وفي الجزائر، أجّل أعضاء الحراك المسالم المعارض للنظام الاحتجاجات للمرّة الأولى منذ فبراير 2019. وسوف يُكسب القرارُ بتأجيل الاحتجاجات للصالح العام الحراكَ احتراماً وثقة لدى الشعب. وستشكّل الأزمة الجارية امتحاناً للرئيس عبد المجيد تبون الذي شهدت عملية انتخابه للرئاسة مقاطعةً واسعة والذي سيكون ردّ فعله إزاء الجائحة تحت المجهر.

وتتمتّع تونس بنظام رعاية صحية أفضل من المغرب والجزائر وهي تتعامل مع تقدّم أبطأ للفيروس. وعلاوة على مبلغ 400 مليون دولار أمريكي تلقّتها البلاد من صندوق النقد الدولي، تعهّدت الحكومة بمبلغ 850 مليون دولار أمريكي للمساعدة على احتواء أثر الفيروس. بيد أنّ التوقّعات الاقتصادية للبلاد غير واعدة وعلى الأرجح أن تواجه ركوداً، ولا سيّما مع أثر الجائحة في قطاعها السياحي. 

أما ليبيا، فعلى الرغم من أنّها لم تسجّل سوى حالة واحدة مؤكّدة حتّى لحظة كتابة هذه المقالة، وضْعُها يدعو للقلق، نظراً إلى صراعها الجاري. ففي حال تفشّت الجائحة، ستكون النتائج كارثية، بسبب مواردها المحدودة وانعدام سيطرة الحكومة المعترَف بها دولياً على البلاد.

غالب دالايفيروس كورونا المستجدّ سيزيد من نقاط ضعف الاقتصاد التركي

سبق أن بدأ فيروس كورونا المستجدّ بتغيير معالم الحياة الاجتماعية الاقتصادية في تركيا. ففيما يرى الشعب التركي بالإجمال أنّ الحكومة تعاملت مع الأزمة بشكل جيّد نسبياً، تتزايد أعداد الحالات المُشخَّصة والوفيات بشكل تصاعديّ. ردّاً على ذلك، اتّخذت الحكومة إجراءات حازمة، من ضمنها رزمة تدابير تحفيزية بقيمة مئة مليار ليرة (15,4 مليار دولار) وإقفال الحانات والنوادي الرياضية والنوادي الليلية وتعليق صلاة الجمعة وفرض حظر تجوّل وحظر الرحلات الجوية من 68 دولة وإليها.

وتتسبّب هذه الإجراءات، مقرونة بتداعيات الجائحة حول العالم، بضرر اقتصادي كبير لتركيا. والمخيف أكثر أنّ الجائحة حدثت في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي أصلاً عجزاً كبيراً في الموازنة ونظاماً مالياً ضعيفاً ومستوى منخفضاً في احتياطي المصرف المركزي من العملات الأجنبية. وبعد أنّ تأثّرت الليرة التركية بدايةً بأزمة إدلب، تخسر الليرة الآن أكثر فأكثر من قيمتها مقابل العملات الأخرى المهمة، ولا سيّما الدولار الأمريكي. وفي الأسبوع المنصرم وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ سبتمبر 2018.

ستكون قطاعات النقل والسياحة والطيران هي الأكثر تأثّراً بالجائحة. ففي العام 2019 وحده، استقبلت تركيا نحو 52 مليون سائح، لتصبح الدولة السادسة الأكثر زيارة في العالم. ولأنّ السياحة من أهمّ مصادر الدخل للاقتصاد التركي الشحيح بالنقد، سيكون أثر الجائحة في هذا القطاع تطوراً مقلقاً للغاية.

وفي سياق مشابه، سيواجه قطاعا النقل والطيران في تركيا تحديات كبيرة. ففي العام 2019، سجّلت الخطوط الجوية التركية الوطنية أرباحاً صافية بلغت 788 مليون دولار ومعدّل إشغال نسبته 81 في المئة. وستتكبّد هذه الشركة خسائر جسيمة في الأشهر القادمة وتنوي إلغاء رحلاتها كافة تقريباً بحلول مارس 27، باستثناء الرحلات من إسطنبول إلى خمس وجهات أساسية.

في وقتٍ سابقٍ، توقّعت الحكومة التركية أن ينمو الاقتصاد بنسبة 5 في المئة في العام 2020. أما الآن، فيبدو أنّ الاقتصاد التركي سيسجّل هذا العام معدّل نموّ هزيلاً للغاية أو انكماشاً حتّى. وإلى أيّ مدى ستكلّف نقاطُ الضعف والويلات الاقتصادية التركية الحكومةَ على الصعيد السياسي أمرٌ يعتمد على طول الأزمة، فضلاً عن شدّة الوفيات والتداعيات الاقتصادية.

نادر قبّانيالخلاف الخليجي يمكنه أن يفاقم التداعيات الاقتصادية التي ستخلّفها الجائحة

لقد أبلت دول مجلس التعاون الخليجي بلاءً حسناً جدّاً في احتواء تفشّي فيروس كورونا المستجدّ، إذ كانت خطواتها وقائية وضمن المعقول ونُشِرت بفعّاليّة. وبدأت دول مجلس التعاون الخليجي بإلغاء الفعاليات الكبيرة والحدّ من عدد الزائرين الآتين من البلاد الشديدة التأثّر. ثمّ حدّت تدريجياً من التجمّعات العامة وأغلقت المدارس وقيّدت السفر وأقفلت المطاعم والأعمال غير الأساسيّة، وحالت دون انتشار الهلع عبر منح مواطنيها وقاطنيها مستجدّات منتظمة. وطرحت برامج فحص الوافدين وإجراءات الحجر، وحرصت على استمرار الخدمات الأساسية وقدّمت تطمينات أنّ مخازن الطعام مليئة. أخيراً، أعلنت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي عن حُزم تدابير تحفيز اقتصادي بقيمة 97 مليار دولار لتهدئة مخاوف المستثمرين ومساعدة القطاع الخاص على امتصاص صدمة الأزمة.

مع ذلك، ستواجه دول مجلس التعاون الخليجي عدّة تحديات مهمّة في الأشهر المقبلة. أولاً، على غرار أيّ مكان آخر في العالم، ستشهد دول مجلس التعاون الخليجي ركوداً في النشاط الاقتصادي بسبب تفشّي الفيروس. بيد أنّ الانخفاض المرافق لذلك في أسعار النفط العالمية سيؤثّر بشدّة في اقتصاداتها. ثانياً، بيّن هذا التفشّي مكامن الضعف الهيكلية في أنظمة العمل في دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك الصعوبات في ضمان حقوق العمال المهاجرين وتقديم الدعم المناسب لمجمّعات السكن المكتظّة حيث النقص في الخدمات. أخيراً، في زمن تبرز فيه الحاجة الطارئة إلى التعاون والتنسيق الوطيدَين بين الدول، ما زالت الألاعيب الجيوسياسية الجيوسياسية تقوّض منطقة دول مجلس التعاون الخليجي والمصالح الفضلى للدول الأعضاء فيه.

ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي اللجوء إلى عدد من الإجراءات بشأن السياسات لمعالجة هذه المسائل. أولاً، ينبغي عليها الحرص على الاستعمال الفعّال لحزم تدابير التحفيز التي أطلقتها. ويعني ذلك منح الائتمانات للمؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة، عوضاً عن محاولة دعم قطاعات محدّدة أو الأسواق المالية المتقلّبة. ثانياً، عليها أن تستمرّ بإدارة مرحلة ما بعد الأزمة بفعالية. وسيتطلّب ذلك المحافظة على الخدمات العامة ودعم النشاط الاقتصادي عبر تسريع عمليات الدفع الحكومية للشركات والفرض على الشركات بأن تسدّد رواتب الموظّفين في الوقت الصحيح. ثالثاً، ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي تخطّي الخلاف الداخلي والعمل معاً لمواجهة التحديات الاقتصادية التي ستخلّفها الجائحة بالإضافة إلى والتراجع الناتج عنه في أسعار النفط، فليس لديها الكثير من الوقت لتضيّعه.

عادل عبد الغفارفيروس كورونا المستجدّ سيرغم شركات الطيران الخليجية على مواجهة وقائع صعبة

مع استمرار تداعيات فيروس كورونا المستجدّ بتدمير قطاع شركات الطيران، على الأرجح أن تعاني شركات الطيران الخليجية الثلاثة الكبرى، طيران الإمارات والاتحاد للطيران والخطوط الجوية القطرية. فحتّى الآن، تمكّنت هذه الشركات من جذب العملاء من خلال طائرات أحدث وخدمة أفضل وأسعار تنافسية. بيد أنّها واجهت تحديات كبيرة في السنوات الماضية. فتواجه شركة الاتّحاد للطيران في أبوظبي مشاكل مادية، ممّا دفعها إلى الاستغناء عن طيّارين وإلغاء طلبات على طائرات جديدة. أما وضع طيران الإمارات فأفضل، لكنّها سجّلت أرباحاً أدنى في السنة المالية 2018/2019، وشهد مطار دبي تراجعاً في أعداد المسافرين في العام 2019. وتعاني القطرية منذ العام 2017 بسبب الحصار الذي تفرضه الدول المجاورة، فسجّلت خسارة قدرها 640 مليون دولار بعد احتساب الضرائب في السنة المالية 2018/2019.

ومن المتوقّع أن يفاقم فيروس كورونا المستجدّ هذه المشاكل. فسبق أن ألغت الاتحاد عدداً كبيراً من الرحلات وطلبت من الموظّفين أخذ عُطلٍ سنوية مدفوعة. وقد طلبت طيران الإمارات أيضاً من الموظّفين أخذ إجازات، وتتوقّع أن يتأثّر أداؤها المالي كثيراً. أمّا القطرية، فقد بدأت بالاستغناء عن موظّفين. وأوقفت الشركات الثلاثة معظم طائراتها عن العمل هذا الأسبوع. 

وما دامت شركات الطيران المملوكة للدولة هذه تُعَدّ رموزاً وطنية ذات اعتبار، ستهُبّ حكوماتها لنجدتها على الأرجح. والاتّحاد للطيران هي الأكثر تأثّراً بين الشركات الثلاثة، بعد أن تكبّدت مؤخراً خسائر تبلغ 4,8 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات وأجرت سلسلةً من الاستثمارات الرديئة. ونظراً إلى هذه الضغوط، قد يحثّ فيروس كورونا المستجدّ إمارتَي أبوظبي ودبي على اللجوء إلى دمجٍ لطالما سرت الإشاعات عنه بين الاتحاد وطيران الإمارات. في غضون ذلك، قد تضطرّ القطرية إلى التراجع عن طلباتها الطموحة على الطائرات التي يُقال إنّ قيمتها تصل إلى مبلغ خيالي قدره 90 مليار دولار.

ليس فيروس كورونا المستجدّ التحدّي الأول الذي تواجهه هذه الشركات الثلاثة، ولن يكون الأخير. فعلى المدى الطويل، ستتحدّى طائرات جديدة بقدرة شحن لمسافات بعيدة نموذجَ النقل المحوري الذي تعتمده هذه الشركات. والملحّ أكثر أنّ أسعار النفط الأدنى بدأت تؤثّر سلباً في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، ممّا سيحثّ صانعي السياسات الخليجيين على إعادة تقييم إنفاقهم بعناية، بما في ذلك الإنفاق على إعانات شركات الطيران. وبالإجمال، وفيما سيكون وضع شركات الطيران الثلاثة هذه أفضل على الأرجح من شركات الطيران العالمية الأخرى في خضمّ أزمة فيروس كورونا المستجدّ، سينبغي عليها في نهاية المطاف أن تتكيّف مع الوقائع المرّة لقطاع الطيران.

نهى أبو الدهببعض الحكومات ستستغلّ الجائحة لترسيخ الحكم السلطوي

شكّلت جائحة فيروس كورونا المستجدّ حجّة إضافية لقمع حقوق الإنسان. فالحكومات حول العالم تستخدم سلطاتها الاستثنائية لتطبّق قيوداً استثنائية لإبقاء الفيروس تحت السيطرة. وتُذكّر هذه المقاربة بالإجراءات السريعة والقمعية التي اتّخذتها في السابق لتطبيق ما سُمّي بسياسات مكافحة الإرهاب.

وتتضمّن الاستجابات الأخيرة لفيروس كورونا المستجدّ إجراءات مراقبة شاملة تتعقّب تحرّكات أولئك المصابين بالفيروس ومعارفهم. وسبق أن زادت الصين من استعمالها لتكنولوجيا التعرّف إلى الوجوه لديها لهذه الغاية، فيما تستعمل إسرائيل الآن التكنولوجيا الرقمية لاستخلاص المعلومات التي يحتويها الهاتف الجوّال الذي يملكه المصاب والأفراد الذين تُحتمل إصابتهم. وعلى الرغم من هذه الإجراءات التدخّلية، تتقاعس الحكومات عن التصرّف بطرق أخرى ضرورية لإبطاء تفشّي الفيروس، على غرار إطلاق سراح السجناء.

فمع استحالة تطبيق تدابير المسافة الاجتماعية في السجون المكتظّة وغير النظيفة، طالب الكثيرون بإطلاق سراح مشروط لأكبر عدد ممكن من السجناء من أجل الحدّ من تفشّي الفيروس. وفي بعض الدول، يُحتجَز عشوائياً مَن يطالب بإطلاق سراح السجناء. فمؤخراً، تمّ اعتقال أربع مصريّات أقمن احتجاجاً صغيراً أمام الحكومة المصرية لهذا السبب بحدّ ذاته. في غضون ذلك، أطلقت إيران سراح 85 ألف سجين من أجل السيطرة على تفشّي الفيروس.

ويواجه المحتجزون في سوريا الذين يقدّر عددهم بتسعين ألفاً خطراً كبيراً من معاناة أسوأ تداعيات الجائحة، ولا سيّما نظراً إلى الظروف الرديئة أصلاً التي يحتجزون فيها، في انتهاكٍ للقانون الدولي. ولم تؤدِّ العرائض المقدَّمة إلى المجتمع الدولي للضغط على النظام السوري من أجل إطلاق سراح المحتجزين إلى أي ردّ ملاءم بعد.

ومع الآلاف من سجناء الرأي في الشرق الأوسط، الدعواتُ لإطلاق سراحهم سياسيةٌ للغاية وخطيرةٌ جداً. فقد احتُجز الكثير من هؤلاء السجناء عشوائياً بحجّة واهية تنصّها قوانين مكافحة الإرهاب القمعية التي شهدت ازدياداً كبيراً بعد هجمات 11 سبتمبر. وما زالت أوضاع السجناء وعائلاتهم متأرجحة بسبب تأثيرات هذه القوانين المُسيّسة.

وتشير السلطات الاستثنائية التي تلجأ إليها الحكومات لتطبيق المزيد من القمع، عوضاً عن السيطرة فعلاً على تفشّي جائحة فيروس كورونا المستجدّ، إلى استغلال أزمات الصحة العامة لترسيخ الحكم السلطوي. وعندما تتلاشى هذه الجائحة، سيكون أمام المحامين وصانعي السياسات الراغبين في نقض هذه القيود كمٌّ هائل من العمل.

Authors